تخطى إلى المحتوى

تعدين الذهب في ألمانيا 2025 | التاريخ، الواقع، والمستقبل

  • بواسطة
تمتلك ألمانيا ثاني أكبر احتياطي ذهب في العالم بعد الولايات المتحدة (التي تملك ~8133 طن).

تُعَدُّ ألمانيا من أبرز الدول التي تمتلك احتياطيات ضخمة من الذهب عالمياً، لكنها في الوقت نفسه لا تتميز بنشاط كبير في تعدين الذهب داخل أراضيها.

فعلى الرغم من أن البنك المركزي الألماني (بوندسبنك) يحوز ثاني أكبر احتياطي ذهب في العالم بحوالي 3,364 طن (أي نحو 108 ملايين أونصة تروي قيمتها حوالي 184 مليار يورو)، إلّا أن المناجم الذهبية في ألمانيا قليلة للغاية تكاد تكون غير موجودة حاليًا.

في هذا المقال نستعرض واقع تعدين الذهب في ألمانيا، ونلقي نظرة على تاريخه التاريخي، والمشاريع الحديثة، وفرص المستقبل المرتبطة به.

احتياطيات الذهب الضخمة مقابل ندرة المناجم

تمتلك ألمانيا ثاني أكبر احتياطي ذهب في العالم بعد الولايات المتحدة (التي تملك ~8133 طن).

هذا المخزون الهائل لدى ألمانيا راكمته عبر عقود من السياسات المالية الحكيمة وشراء الذهب، حتى أصبحت احتياطيات الذهب الألمانية رمزًا للاستقرار الاقتصادي في البلاد.

المفارقة أن هذا الذهب ليس نتاج استخراج محلي حديث، بل جُمّع عبر تاريخ طويل ومن مصادر خارجية أيضًا. فعلى مر القرن العشرين، وخاصة خلال حقبة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ساهمت صناعة تعدين الذهب في ألمانيا – ولا سيما في ألمانيا الشرقية آنذاك – في زيادة هذه الاحتياطيات بشكل ملحوظ.

بل وكانت ألمانيا واحدة من أكبر منتجي الذهب عالميًا خلال تلك الفترة، بفضل إنتاج محلي ترافق مع مشتريات دولية قام بها البنك المركزي لتعزيز مخزونه.

لكن مع ذلك، تقلص إنتاج الذهب المحلي تدريجيًا حتى تلاشى تقريبًا مع نهاية القرن العشرين. وتشير البيانات إلى أنه بعد إعادة توحيد ألمانيا (سقوط جدار برلين 1990)، توقف نشاط تعدين الذهب التجاري فعليًا؛ فقد انخفض الإنتاج من 1.77 طن عام 1990 إلى 10 كيلوجرامات فقط عام 1991.

منذ ذلك الحين، لم تعد ألمانيا مدرجة ضمن الدول المنتجة للذهب في الإحصاءات العالمية، واعتمدت بشكل شبه كامل على استيراد الذهب وإعادة تدويره لتلبية الطلب المحلي.

لمحة تاريخية: الذهب في الأراضي الألمانية

رغم ضآلة الحضور الراهن لمناجم الذهب، تمتلك ألمانيا تاريخًا طويلًا مع تعدين الذهب وإن كان على نطاق محدود. تشير التقديرات الجيولوجية إلى أن إجمالي ما جرى استخراجه من الذهب من التربة الألمانية منذ العصور الوسطى حتى اليوم يقارب 102 طن من الذهب فقط – بمعدل سنوي لا يتجاوز 100 كغ تقريبًا.

كانت المناجم القديمة تتركز في مناطق محدودة، من أبرزها مناجم في مقاطعة سيليزيا التاريخية (التي كانت جزءًا من ألمانيا قديمًا، وتقع الآن في بولندا) حيث اشتهرت مناجم مثل “رايشر تسروست” في رايشنشتاين. كذلك ساهم منجم راملسبرغ بالقرب من غوسلار في إنتاج الذهب كمنتج ثانوي أثناء تعدين معادن أخرى.

ومنذ العصور الوسطى، عَرَفت أنهارٌ ألمانية ظاهرة الذهب الغريني (Gold panning) أو ما يسمى رمال الذهب. فقد جرف نهر الراين عبر القرون كميات ضئيلة من الذهب من روافده في جبال الألب وترسبت حبيبات الذهب في رمال وضفاف الراين داخل ألمانيا.

لذا مارس السكان المحليون قديمًا تنقيب الذهب من الأنهار (Seifengold) في مواقع على الراين وفي أنهار أخرى مثل نهري غولتسش في ساكسونيا وشفارتزا في تورينغن. كما شهد جبل آيزنبرغ في ولاية هيسّن ومحاجر في غابة تورينغن وغابة الأوبرفالتس بعضًا من أوائل محاولات التعدين تحت الأرض للذهب منذ القرن التاسع الميلادي.

استمر هذا النشاط المحدود عبر العصور، لكنه لم يكن يومًا على نطاق ضخم مقارنة باكتشافات الذهب الهائلة التي حصلت في أماكن أخرى من العالم خلال القرن التاسع عشر (كالولايات المتحدة وأستراليا وجنوب أفريقيا وغيرها). مع اكتشاف تلك المناجم الخارجية الغنية، تراجع ترتيب ألمانيا كمنتج للذهب عالميًا.

وبنهاية الحرب العالمية الثانية، لم يكن في ألمانيا الغربية أي مناجم ذهب نشطة تجاريًا. ومع ذلك، قامت ألمانيا الشرقية (جمهورية DDR) خلال فترة ما بعد الحرب ببعض عمليات استخراج الذهب كمنتج ثانوي من مناجم النحاس واليورانيوم لسد حاجتها من العملات الصعبة.

وبلغ الإنتاج في أواخر الثمانينيات ذروته عند حوالي 1.5 إلى 2 طن سنويًا ثم توقف تمامًا مع إعادة توحيد البلاد.

واقع تعدين الذهب في ألمانيا اليوم

في الوقت الراهن، لا توجد مناجم ذهب كبيرة نشطة في ألمانيا بالمعنى التقليدي لتعدين عروق الذهب من باطن الأرض.

فالتكوين الجيولوجي لألمانيا ليس غنيًا بخامات الذهب عالية التركيز، كما أن القوانين البيئية الصارمة تجعل مشاريع المناجم الجديدة أمرًا معقدًا ومكلفًا.

نتيجة ذلك، تقتصر أنشطة الحصول على الذهب داخل ألمانيا اليوم على مصدرين رئيسيين:

  • استخلاص الذهب من الرواسب الرملية والحصوية: تعتبر هذه الطريقة حاليًا الوسيلة الوحيدة التي ينتج عبرها الذهب بشكل رسمي داخل ألمانيا. على سبيل المثال، تمتلك شركة هولسيم Holcim للرمل والحصى في منطقة راينزآبرن Rheinzabern بولاية راينلاند-بفالز ترخيصًا لاستخراج الذهب من الرمال والحصى كناتج ثانوي. تقوم الشركة بتمرير أطنان هائلة من رمال نهر الراين عبر سلسلة من المعدات لفصل حبيبات الذهب الدقيقة جدًا الموجودة ضمنها. باستخدام أجهزة طرد مركزي ومرشحات خاصة، يُستخلص بضعة كيلوجرامات من الذهب سنويًا من هذه العملية. هذا يسمى ذهب الأنهار أو الذهب الغريني، ويتم تسويقه أحيانًا باسم “الذهب الأخضر” أو “الذهب الصديق للبيئة” لكون استخراجه يتم بوسائل فيزيائية دون استخدام مواد كيميائية كالسيانيد. ورغم أن إنتاج هذه الطريقة ضئيل جدًا بالمقاييس الدولية (لا يتعدى بضع كيلوغرامات سنويًا كما ذُكر)، إلا أنها تبقى دليلًا على وجود كميات ضئيلة من الذهب الطبيعي في بعض الأنهار الألمانية. وقد قدّر خبراء جيولوجيون في ولاية ساكسونيا أنه في حال استغلال كل محاجر الحصى على الأنهار الحاملة للذهب (مثل أجزاء من نهر الإلبه)، فقد يصل إجمالي ما يمكن استخراجه من ذهب الغريني في ألمانيا إلى نحو طن واحد سنويًا كحد أقصى. هذا بالطبع رقم متواضع جدًا إذا ما قورن بدول تتصدر إنتاج الذهب عالميًا (على سبيل المثال، أنتجت الصين حوالي 361 طنًا من الذهب في عام 2011 وحده).
  • إعادة تدوير الذهب وتصفيته: تعد ألمانيا من المراكز العالمية في تكرير الذهب وإعادة تدويره. كثير من الذهب المتداول في السوق الألمانية مصدره مصافٍ تقوم بتنقية الذهب المستورد أو استخلاص الذهب من الخردة والمخلفات الإلكترونية والمجوهرات القديمة. على سبيل المثال، تمكنت شركة أوروبس Aurubis (مصفاة هامبورغ الشهيرة) من إنتاج حوالي 33 طن من الذهب عام 2007 عبر إعادة صهر وتكرير الذهب من خامات نحاس مستوردة ومن خردة ذهبية وحتى مخلفات سبائك نصف مصنّعة. هذا يعني أن ألمانيا فعليًا منتج كبير للذهب لكن ليس من موارد طبيعية محلية، بل عبر دورة إعادة التدوير والصناعات التحويلية. الذهب المعاد تدويره يلعب دورًا مهمًا في تزويد صناعة المجوهرات الألمانية واحتياجات الاستثمار، في ظل غياب إنتاج تعديني محلي كبير.

اكتشافات حديثة وآفاق مستقبلية

على الرغم من شُحّ موارد الذهب في ألمانيا، برزت في العقد الأخير تطورات مثيرة للاهتمام تجدد الآمال بإمكانية وجود تعدين للذهب على نطاق أوسع مستقبلاً. أبرز هذه التطورات كان اكتشاف مكمن كبير للذهب شرق ألمانيا أعلن عنه في عام 2011.

ففي منطقة لاوزيتس Lausitz على الحدود بين مقاطعتي براندنبورغ وساكسونيا (شرقي ألمانيا)، كانت شركة تنقيب ألمانية تدعى “KSL Kupferschiefer Lausitz” تبحث عن النحاس منذ عام 2008، فاكتشفت بالصدفة حقلًا غنيًا بمعادن متنوعة يتضمن احتياطي ذهب يُقدّر بحوالي 15 طنًا من الذهب الخام.

هذا الاكتشاف يقع على عمق نحو 1300 متر قرب مدينة شبريمبرغ Spremberg. وبحسب التقارير الألمانية حينها، فإن هذا الحقل يُعتبر أكبر منجم ذهب محتمل في تاريخ ألمانيا الحديث باحتوائه أيضًا على نحو 2.7 مليون طن من النحاس بالإضافة إلى الفضة والزنك وحتى الرصاص في منطقة امتياز تبلغ مساحتها 80 كيلومتر مربع.

قدّرت القيمة الإجمالية لهذه الثروة المعدنية بحوالي 8 إلى 9 مليارات يورو وفق الأسعار وقت الاكتشاف.

خططت الشركة المستكشفة لبدء عمليات الاستخراج في هذا الموقع بحلول عام 2012، على أن تتوسع العمليات وتبلغ ذروتها حوالي عام 2017.

وبالفعل جرى رصد استثمارات تقارب 700 مليون يورو لإنشاء منجم متكامل لاستخراج النحاس والذهب من هذا الحقل، مع توقع توفير بين 1000 إلى 2000 فرصة عمل جديدة في المنطقة. إلا أن تنفيذ المشروع واجه عقبات تنظيمية وفنية خلال السنوات التالية، مما أخر انطلاق التعدين التجاري هناك.

تفيد أحدث المعلومات المتاحة أن خطط منجم شبريمبرغ (المعروف أيضًا باسم مشروع Spremberg-Graustein-Schleife) لا تزال قائمة، ومن المتوقع أن يبدأ إنتاج النحاس أولاً ويتبعها فصل الذهب وغيره من المعادن النفيسة كمنتج ثانوي.

إذا نجح هذا المشروع، فقد يشكّل أول منجم لإنتاج الذهب في ألمانيا على نطاق صناعي منذ عقود طويلة. وهو تطور قد ينقل ألمانيا من الصفر في إنتاج الذهب إلى مرتبة متواضعة بين الدول المنتجة، لكنه بالتأكيد لن يجعلها منافسًا لكبار منتجي الذهب عالمياً نظرًا لمحدودية الاحتياطيات المكتشفة حتى الآن (15 طن ذهب مقارنة باحتياطيات مناجم تتجاوز مئات الأطنان في دول أخرى).

خلاصة: ألمانيا والذهب – امتلاك الثروة دون استخراجها

تلخص حالة تعدين الذهب في ألمانيا مفارقة فريدة: دولة غنية بالذهب ولكن ليس في باطن أرضها. فألمانيا تمتلك كنزًا ذهبيًا هائلًا في خزائن بنكها المركزي، تراكم عبر تاريخ اقتصادي وسياسي طويل، في حين أن مساهمة التعدين المحلي للذهب ظلت محدودة جدًا.

تاريخيًا، استخرج الألمان عشرات الأطنان فقط من الذهب من أراضيهم عبر قرون، وكان ذلك في زمن كانت فيه البشرية لم تكتشف بعد المناجم الكبرى في العالم الجديد. أما اليوم، فالدور الألماني في سوق الذهب الدولي يأتي من خلال قوة اقتصادها واحتياطياتها ومن خلال صناعات إعادة التكرير، أكثر من كونه ناتجًا عن استخراج خام الذهب من الأرض.

مع ذلك، يبقى موضوع تعدين الذهب في ألمانيا مثيرًا للاهتمام. فهناك جهود علمية تراقب وتقيّم الإمكانات الجيولوجية – على تواضعها – بحثًا عن أي رواسب اقتصادية قد تبرر الاستثمار في استخراج الذهب محليًا.

وقد رأينا بوادر لذلك في مشروع حقل Lausitz بشرق البلاد. كما أن التقنيات الحديثة تجعل من الممكن استخراج كميات من الذهب من المصادر غير التقليدية (مثل الرمال والحصى) بطريقة فعالة وربحية كما فعلت شركة Holcim، ما يثبت أن الموارد قد تتوفر في أماكن غير متوقعة.

في الختام، يمكن القول إن ألمانيا ليست بلدًا لتعدين الذهب بالمعنى المتعارف عليه، لكنها تبقى إحدى أهم حماة وقيمة هذا المعدن النفيس في العالم.

وبينما يستبعد أن تحتل ألمانيا يومًا ما مراكز متقدمة في إنتاج الذهب الخام، فإن قوتها تكمن في امتلاك الذهب واستثماره وضمان دوره كركيزة للاستقرار المالي.

وللمهتمين في ألمانيا بمجال الذهب، فإن الفرص تتوفر أكثر في الاستثمار في الذهب (شراء السبائك والعملات أو أسهم شركات تعدين عالمية) بدلًا من البحث عن مناجم محلية.

ورغم ذلك، يظل بريق إمكانية استخراج الذهب من أرض الألمان – وإن كان ضئيلاً – عنصرًا يثري قصة الذهب في ألمانيا وارتباطها الثقافي والتاريخي بهذا المعدن الذي كان ولا يزال رمزًا للقوة والثروة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *